أمراض الأمة وطرق العلاج / د. راغب السرجاني
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
أمراض الأمة وطرق العلاج / د. راغب السرجاني
المختصر / لابد أن يقف المسلمون وقفة صادقة مع أنفسهم يفتشون عن أدوائهم الخطيرة.. لماذا
يفعل أهل الأرض بنا ما يشاءون ونحن نزيد على المليار ونصف؟.. لماذا لا
يأبه بنا أهل الشرق أو أهل الغرب؟ لماذا نزع اللهالمهابة منا من قلوب
أعدائنا، ولماذا ألقى في قلوبنا الوهن والضعف والخور؟؟
فلنراجع التاريخ يا إخواني ولنراجع الواقع:
أمراض الأمة
المرض الأول: عدم وضوح الهوية الإسلامية
هذا هو المرض الأول من أمراض أمتنا، والقاعدة الإسلامية الأصيلة هي:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد: 7]..ونصر الله يكون بتطبيق شرعه والالتفاف حول راية إسلامية واحدة..لا عنصرية..ولا قبلية..ولا قومية..
أما
البعد عن منهج الله وقبول الحلول الشرقية والغربية والإعراض عن كتاب الله،
وعن سنة رسولهفهذا أصل البلاء وموطن الداء.. ولم يغير المسلمون من واقع
التتار إلا عندما ظهر من يرفع النداء الجميل: "واإسلاماه".. لقد وفق الله
عز وجل قطز رحمه الله إلى هذه الكلمة ليوجز بها كل حياته، وليوجه أنظار
جنده الأبرار ومن تبعهم بإحسان إلى الراية الوحيدة التي ما وقفت تحتها
الأمة إلا انتصرت.
لكن
مهما حاول أي قائد أن يحفز شعبه بغير الإسلام فلن نفلح أبدًا.. أبى الله
أن ينصرنا إلا إذا ارتبطنا به في الظاهر والباطن.. ظاهرنا مسلم وباطننا
مسلم.. سياستنا مسلمة.. اقتصادنا مسلم.. إعلامنا مسلم.. قضاؤنا مسلم..
جيشنا مسلم.. هكذا بوضوح.. دون تستر ولا مواربة ولا خوف ولا وجل. ليس هناك
ما نستحيي منه.. بل الذي يتبرأ من لدين هو الذي يجب أن يستحيي..
سبحان
الله!! انظر إلى واقعنا.. الذي يتكلم في الدين عليه أن يكون حريصًا جدًا
وكل كلمة محسوبة عليه، وعليه أن ينتقي ألفاظه بدقة.. ويجب أن لا يكون
للكلمات مرامٍ أخرى.. أما الذين يتكلمون في الفجور والإباحية فكما يريدون
لا ضابط ولا رابط.. الفيديو كليب, والبرامج الماجنة, والإعلانات القذرة..
ودون رقيب أو محاسب! كيف تنصر أمة فقدت هويتها إلى هذه الدرجة؟!..
كيف
تنصر أمة يستحي فيها العالم أن يقول كلمة الحق ولا يستحي فيها الفاجر أن
يجاهر بفسوقه ومجونه؟ لابد من وقفة أيها المسلمون.. ضياع الهوية الإسلامية
هو المرض الرئيسي الذي أدى لتمكين أعداء الأمة من بلادنا..
المرض الثاني: الفرقة بين المسلمين
فكما
كان الصراع يشتعل بين كل الأقاليم الإسلامية أيام التتار، وكما كان جلال
الدين يعيث فساداً في بلاد المسلمين وجيوش التتار قابعة على بعد خطوات..
كذلك نرى الخلاف والشقاق يدب بين كل بلاد المسلمين الآن تقريباً.. قلما تجد
قُطرين إسلاميين متجاورين إلا وجدت بينهما صراعاً على حدود أو اختلافاً
على قضية.. انشغل المسلمون بأنفسهم، وتركوا الجيوش المحتلة تعربد في ربوع
العالم الإسلامي، وجعلوا همهم التراشق بالألفاظ والخطب - وأحياناً بالحجارة
والسلاح - مع إخوانهم المسلمين.. ولا شك أن التنازع بين المسلمين قرين
الفشل.. يقول تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
المرض الثالث: الترف والركون إلى الدنيا
لقد
كبرت الدنيا جداً في أعين المسلمين أيام التتار.. وكذلك في أيامنا.. أجيال
كاملة لا تعيش إلا لدنياها وإن كانت الدنيا حقيرة ذليلة.. عاش كل فرد
ليجمع المال ويجمّل ويحسّن في معيشته.. ولينعم بأنواع الطعام والشراب
والدواب والمساكن.. وليستمتع بأنواع الغناء المختلفة وأساليب الموسيقى
المتجددة.. وهكذا غرق المسلمون في دنياهم.. كثير من الشباب يحفظ الأغاني
الماجنة أكثر من القرآن.. كثير من الشباب يعلم بالتفصيل تاريخ حياة
الفنانين والفنانات، ويعلم على وجه اليقين سيرة لاعب في بلادنا أو في بلاد
غيرنا ولا يعلم شيئًا عن تاريخ وسيرة أبطال وعلماء وقواد المسلمين.. بل لا
يعلم شيئًا عن أصحاب الرسول.. بل قد لا يعلم شيئًا عن الرسولنفسه!!
أليس هذا مرضًا يحتاج إلى علاج..
الترف
من أسباب الهلكة الواضحة.. يقول الله تعالى في كتابه: {وَإِذَا أَرَدْنَا
أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ
عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].
لقد
وصل الترف اليوم إلى عموم المسلمين حتى وصل إلى فقرائهم!!.. فالرجل قد لا
يجد قوت يومه ثم هو لا يستغني عن السيجارة!!.. ويكاد لا يجد ما يستر به
نفسه وأولاده ثم هو يجلس بالساعات في المقاهي والكافيتريات، وقد لا يستطيع
أن يعلم أولاده ولكنه حريص كل الحرص على اقتناء فيديو أو طبق فضائي!! ؛
ركون إلى الدنيا وانغماس في شهواتها.. ولا يستقيم لأمة تريد القيام أن تكون
بهذه الهيئة..
المرض الرابع: ترك الجهاد
وكنتيجة
طبيعية للانغماس في الدنيا، والترف الرائد عن الحد ترك المسلمون الجهاد..
ورضوا بالسير في ذيل الأمم.. وقبل المسلمون ما سماه عدوُّهم: "السلام",
بينما هو بوضوح: "استسلام"..
لم
يفقه المسلمون أيام التتار - كما لم يفقه كثير من المسلمين في زماننا الآن
- أن السبيل الأساسي لاستعادة حقوق المسلمين المنهوبة هو الجهاد، وأن
السلام لو صح أن يكون اختياراً في بعض الظروف إلا أنه لا يمكن أن يكون
الخيار المطروح إذا انتُهِبَتْ حقوق المسلمين، أو سُفكت دماؤهم، أو شُرّدوا
في الأرض، أو استُهْزِئ بدينهم وآرائهم ومكانتهم..
لم
يفقه المسلمون أن السلام لا يكون إلا باستعادة كامل الحقوق، ولا يكون وإلا
نحن أعزة، ولا يكون وإلا ونحن نمتلك قوة الردع الكافية للرد على العدو إذا
خالف معاهدة السلام، أما بدون ذلك فالسلام لا يكون سلاماً بل يكون
استسلاماً، وهو ما لا يُقبل في الشرع..
يجب
أن يفقه المسلمون أن كلمة الجهاد ليست عيبًا يجب أن نستحيي منه أو نخفيه..
ليست كلمة قبيحة يجب أن تنزع من مناهج التعليم ومن وسائل الإعلام ومن
صفحات الجرائد والكتب. أبدًا.. إن الجهاد ذروة سنام الإسلام!.. الجهاد أعلى
ما في الإسلام.. شاء ذلك أم أبى أعداء الأمة سواء من خارجها أو من
أبنائها..
كلمة الجهاد بمشتقاتها وردت في كتاب الله أكثر من ثلاثين مرة..كذلك كلمة القتال بمعنى قتال أعداء الأمة وردت.
أين نذهب بهذه الآيات؟
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65].
أين
نذهب بقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا
الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}
[التوبة: 123].
أين نذهب بقول الله تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36].
يا إخواني ويا أخواتي..
أنى لأمة تريد أن تحمي نفسها وتدافع عن عرضها وشرفها أن تترك الجهاد والقتال؟؟!..
في
أي عرف أو قانون أو ملة تُدعى الأمة التي تُحتل في المشرق والمغرب على عدم
الحديث عن الجهاد والقتال والحرب والإعداد..أنا أعتقد أن هذا المرض.. مرض
ترك الجهاد وترك الحديث عنه والإعداد له من أعظم أمراض الأمة.. وليس في
تاريخها أبدًا قيام إلا به.. ولنا في التاريخ عبرة.
المرض الخامس: إهمال الإعداد المادي للحروب
لقد
اجتهد التتار في إعداد كل ما يمكّنُهُم من النصر سواء في ذلك الجنود أو
السلاح أو تجهيز الطرق أو وضع الخطة أو الاهتمام بالأحلاف أو الحرب النفسية
والخطط البديلة..
لقد كان إعداداً متميزاً حقاً..كل ذلك بينما كان المسلمون يعيشون في واد آخر!!..
أُهمِلت
الجيوش الإسلامية وانحدر مستواها، ولم يهتم حاكم بتحديث سلاحه أو تدريب
جنده.. لم توضع الخطة المناسبة، ولم توجد المخابرات الدقيقة.. لقد تهاون
المسلمون جداً في إعدادهم.. ورُتِّبَتْ أولوياتهم بصورة مخزية..
فبينما كانت الملايين تُنفق على القصور وعلى الرخام وعلى الحدائق.. لم
يُنفَق شيء على الإعداد العسكري والعلمي والاقتصادي للبلاد.. وبينما قل
ظهور النماذج المتفوقة في المجالات العلمية والقيادية والإدارية كثر ظهور
المطربين والمطربات، والراقصين والراقصات، واللاعبين واللاعبات، واللاهين
واللاهيات!!
ولابد
أن تُهزَم أمة كان إعدادها بهذه الصورة.. فأمة الإسلام بغير إعداد لا
تقوم.. وليس معنى أن يرتبط الناس بربهم ويعتمدوا عليه أن يُهملوا المقومات
المادية، والتجهيز البشري.. ولابد أن يفقه المسلمون هذا الدرس جيداً..
المرض السادس: افتقار المسلمين إلى القدوة
تربية
القدوة أعلى آلاف المرات من تربية الخطب والمقالات.. الجنود يشعرون
بالغربة الشديدة وبفقدان الحماسة تماماً إذا افتقدوا القدوة..
ألف خطاب للتحميس على الجهاد لا تفعل شيئاً إذا وجد الجنود قائدهم أول المختبئين عند الكوارث!!
ألف خطاب
عن تحمل الظروف الصعبة والرضا بالقليل والزهد في الدنيا وتحمل المصائب
الاقتصادية لا تغني شيئاً إن وجد الشعب زعيمه يتنعم في القصور وينفق
الملايين على راحته وسعادته ورفاهيته وحفلاته الصاخبة..
ألف خطاب
عن الأخلاق الحميدة لا تقدم شيئاً للأمة إن كان الذي يقتدى به لا يُصَلّي
ولا يصوم ولا يتَّسِم بنظافة اليد واللسان، وبطهارة الضمير والوجدان..
كيف يلتزم الشعب بدينه وشرع ربه وقلما يستمع إلى لفظ الجلالة: "الله" من زعيمه أو أستاذه أو مربيه؟!
كيف للشباب أن ينصلح حالهم وهم يرون أن القدوات التي تبرز لهم قدوات منحلة بعيدة كل البعد عن طريق الصلاح؟!
القائد
الذي لا يكون قدوة حية لشعبه في الجهاد والخلق والصبر والزهد والعدل لا
يجب أن يتوقع من شعبه أن يحميه وقت الشدائد ولا يقف معه في زمان المصائب..
وفي التاريخ عبرة !!
المرض السابع: موالاة أعداء الأمة
لقد
سقط الكثير من زعماء المسلمين أيام التتار في مستنقع الموالاة لأعداء
الأمة، وكان منطقهم في ذلك أنهم يجنبون أنفسهم أساساً ثم يجنبون شعوبهم بعد
ذلك ويلات الحروب.. فارتكبوا خطأ شرعياً وعقلياً شنيعاً.. بل ارتكبوا
أخطاءً مركبة.. فتجنب الجهاد مع الحاجة إليه خطأ، وتربية الشعب على الخنوع
لأعدائه خطأ آخر، وموالاة العدو واعتباره صديقاً والثقة في كلامه وفي عهوده
خطأ ثالث..
وربنا I
يقول في كتابه بوضوح: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]. وهذا تحذير خطير من رب
العالمين.. وكم هو أحمق - أو ضعيف الإيمان - من يستمع إلى هذا التحذير ثم
لا يلتفت إليه..
المرض الثامن: الإحباط
الأمة المحبطة من المستحيل أن تنتصر، والإحباط والقنوط واليأس ليست من صفات المؤمنين..{إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
لقد عمل التتار كما عمل الأمريكان - كما عمل أتباع التتار والأمريكان - على خفض الروح المعنوية للشعوب المسلمة إلى أدنى درجة ممكنة..
لقد عظموا كل ما هو تتري أو أمريكي وخفضوا كل ما هو مسلم.. ووسعوا الفجوة
جداً بين إمكانيات العدو وإمكانيات الأمة، وصوروا لهم أنه لا سبيل للنجاة
إلا بالخنوع والخضوع والتسليم..
وقد رأينا التاريخ.. ورأينا مصيبة التتار قد اتبعت بنصر مجيد على يد قطز رحمه الله.. وكان من أهم الأسباب للنصر أنه رحمه الله رفع الروح المعنوية لجيشه، وعلمهم
أن التتار خلق من خلق الله لا يعجزونه، وأن المسلمين إذا ارتبطوا باللهفلا
سبيل لأحد عليهم.. لا التتار ولا اليهود ولا الأمريكان ولا غيرهم.. وأن
الجولة الأخيرة حتمًا ستكون للمسلمين..وبغير هذا الإعداد النفسي وبث روح
الأمل في الأمة فالنصر بعيد ولا شك..
المرض التاسع: توسيد الأمر لغير أهله
لقد
رأينا في قصة سقوط بغداد كيف أن الأمر قد وُسِّد لغير أهله، وضيعت الأمانة
وتولى المناصب العليا في البلد أناس افتقروا إلى الكفاءة وافتقروا إلى
التقوى.. فلا قوة ولا أمانة.. وهذه والله الطامة الكبرى!!
إذا
لم يصل إلى مراكز القيادة إلا أصحاب الوساطة أو القرابة أو الرشوة فهذا
أمر خطير.. بل شديد الخطورة..إذا رأيتم أن القريب يوظف قريبه، وأن المراكز
تباع وتشترى وتهدى، وأن أصحاب الكفاءات لا تقدر كفاءتهم، ولا يُرفع من
قدرهم، فاعلم أن النصر مستحيل..
إذا
كنا نجد أننا الآن في ذيل الأمم كما كان الوضع أيام التتار فلننظر إلى
مراكز القيادة ومن جلس فيها.. ولننظر كيف وصلوا إلى هذه المراكز.. فإنك ولا
شك ستجد الغالب الأعم قد وصل إليها بأسلوب لا يرضى عنه الله..ولا سبيل للنصر إلا بتوسيد الأمر إلى أهله.. وإلا بجعل الأمور في يد الذي جمع بين عمق العلم وصلاح العمل ونقاء الضمير وحسن السيرة.
المرض العاشر: غياب الشورى
الشورى
أصل من أصول الحكم في الإسلام، والذي لا يأخذ بها يضحي بملايين الطاقات في
شعبه ويفترض في نفسه الكمال، ويخالف طريق الأنبياء، ويورث الضغينة في قلوب
أتباعه، ويقع في الخطأ تلو الخطأ، وفوق ذلك كله يخالف أمر الله الذي جاء
بلفظ صريح في كتابه العزيز: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:
159]. وقال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38].
وما نقصده هنا هو الشورى الحقيقة.. لا
الشورى الوهمية التي ليس لها من هَمٍّ إلى جمع الآراء المؤيدة لرأي
الزعيم.. ولا الشورى التي تغلف آراء الديكتاتور بغلاف برّاق جميل اسمه
الديموقراطية.. غلاف ليس له قيمة, ولا يلبث أن يُلقى في سلة المهملات ويبقى
رأي الدكتاتور!! ..
كان
هذا هو المرض العاشر من الأمراض التي أدت إلى انهيار المسلمين تحت أقدام
التتار، فتلك عشرة كاملة، وهي نفس أسباب الهزيمة والهوان في أي عصر من
العصور.. وتذكروا أننا لا نهزم لقوة أعدائنا، ولكن لضعفنا وسوء إعدادنا..
طرق العلاج
إدراك النصر طريق له خطوات واضحة.. لا لبس فيها ولا غموض!!..
النصر
هو أن تعالج هذه الأمراض العشرة التي ذكرناها.. أن تعالجها علاجاً حقيقياً
صادقاً.. لابد أن نعترف بوجود هذه الأدواء, ونسعى جاهدين صادقين لعلاجها،
والرقي بهذه الأمة، وتوظيف كل الطاقات لتمكين هذه الأمة الإسلامية في
الأرض..
النصر ببساطة يكون في هذه الأمور العشرة (التي هي علاج الأمراض السابقة):
1ـ العودة الكاملة غير المشروطة لله ولشرعه الحكيم.
2ـ الوحدة بين المسلمين جميعاً على أساس الدين.
3ـ الإيمان بالجنة والزهد في الدنيا والبعد عن الترف.
4ـ تعظيم الجهاد والحث عليه وتربية النشء والشباب على حب الموت في سبيل الله.
5ـ الاهتمام بالإعداد المادي من سلاح وعلم وخطط واقتصاد وتقنيات وسياسات.
6ـ إظهار القدوات الجليلة وإبراز الرموز الإسلامية الأصيلة وتعظيمها عند المسلمين.
7ـ عدم موالاة أعداء الأمة والفقه الحقيقي للفرق بين العدو والصديق.
8ـ بث روح الأمل في الأمة الإسلامية ورفع الهمة والروح المعنوية.
9ـ توسيد الأمر لأهله.. وأهله هم أصحاب الكفاءة والأمانة.
10ـ الشورى الحقيقية التي تهدف فعلاً إلى الخروج بأفضل الآراء.
المقاومة في العراق
ومع
كل التطابقات السابقة بين السقوطين القديم والحديث إلا أن هناك فارقاً
هاماً جداً بين القصتين، وهذا الفارق يبعث الأمل الكبير في النفوس، وينفي
عنها الإحباط المقيت.. وهذا الفارق هو ببساطة: المقاومة!!..
المقاومة في العراق!!.. لقد شاهدنا مقاومة ضارية من الشعب العراقي بعد
انهيار الجيش، وخاصةً في المثلث السني، وشاهدنا ضحايا من المغتصب الأمريكي،
وشاهدنا فشلاً أمريكياً في اختراق صفوف المقاومة، وشاهدنا تعاطفاً من
العالم الإسلامي مع المجاهدين العراقيين، وشاهدنا قلقاً أمريكياً واضحاً
سواء في القيادة أو في المعارضة أو في الشعب أو في الجنود، حتى وصل إلى
الانتحار في صفوف المقاتلين الأمريكان!!
كل
هذه المشاهدات لم نرها في القصة القديمة، مما يعطي انطباعاً أن وضعنا الآن
أفضل، وأن حالتنا لم تصل إلى الحال المتردية التي كانت عليها الأمة أيام
التتار،
وكل هذا يبعث الأمل في النفوس، ويقوي العزيمة على القيام من جديد، ونصر
الله لهذه الأمة آت لا محالة مهما طال الزمان، ومهما تعقدت الظروف، وإذا
كانت الأمة قد استطاعت الخروج من أزمتها الطاحنة أيام التتار فنحن - إن شاء
الله - على الخروج من أزمتنا أقدر، والله الذي أخرج قطز من بين صفوف
المؤمنين قادر على إخراج أمثاله من بين صفوفنا، "ولتعلمن نبأه بعد حين"!..
فستذكرون ما أقول وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد.
المصدر: قصة الإسلام
يفعل أهل الأرض بنا ما يشاءون ونحن نزيد على المليار ونصف؟.. لماذا لا
يأبه بنا أهل الشرق أو أهل الغرب؟ لماذا نزع اللهالمهابة منا من قلوب
أعدائنا، ولماذا ألقى في قلوبنا الوهن والضعف والخور؟؟
فلنراجع التاريخ يا إخواني ولنراجع الواقع:
أمراض الأمة
المرض الأول: عدم وضوح الهوية الإسلامية
هذا هو المرض الأول من أمراض أمتنا، والقاعدة الإسلامية الأصيلة هي:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد: 7]..ونصر الله يكون بتطبيق شرعه والالتفاف حول راية إسلامية واحدة..لا عنصرية..ولا قبلية..ولا قومية..
أما
البعد عن منهج الله وقبول الحلول الشرقية والغربية والإعراض عن كتاب الله،
وعن سنة رسولهفهذا أصل البلاء وموطن الداء.. ولم يغير المسلمون من واقع
التتار إلا عندما ظهر من يرفع النداء الجميل: "واإسلاماه".. لقد وفق الله
عز وجل قطز رحمه الله إلى هذه الكلمة ليوجز بها كل حياته، وليوجه أنظار
جنده الأبرار ومن تبعهم بإحسان إلى الراية الوحيدة التي ما وقفت تحتها
الأمة إلا انتصرت.
لكن
مهما حاول أي قائد أن يحفز شعبه بغير الإسلام فلن نفلح أبدًا.. أبى الله
أن ينصرنا إلا إذا ارتبطنا به في الظاهر والباطن.. ظاهرنا مسلم وباطننا
مسلم.. سياستنا مسلمة.. اقتصادنا مسلم.. إعلامنا مسلم.. قضاؤنا مسلم..
جيشنا مسلم.. هكذا بوضوح.. دون تستر ولا مواربة ولا خوف ولا وجل. ليس هناك
ما نستحيي منه.. بل الذي يتبرأ من لدين هو الذي يجب أن يستحيي..
سبحان
الله!! انظر إلى واقعنا.. الذي يتكلم في الدين عليه أن يكون حريصًا جدًا
وكل كلمة محسوبة عليه، وعليه أن ينتقي ألفاظه بدقة.. ويجب أن لا يكون
للكلمات مرامٍ أخرى.. أما الذين يتكلمون في الفجور والإباحية فكما يريدون
لا ضابط ولا رابط.. الفيديو كليب, والبرامج الماجنة, والإعلانات القذرة..
ودون رقيب أو محاسب! كيف تنصر أمة فقدت هويتها إلى هذه الدرجة؟!..
كيف
تنصر أمة يستحي فيها العالم أن يقول كلمة الحق ولا يستحي فيها الفاجر أن
يجاهر بفسوقه ومجونه؟ لابد من وقفة أيها المسلمون.. ضياع الهوية الإسلامية
هو المرض الرئيسي الذي أدى لتمكين أعداء الأمة من بلادنا..
المرض الثاني: الفرقة بين المسلمين
فكما
كان الصراع يشتعل بين كل الأقاليم الإسلامية أيام التتار، وكما كان جلال
الدين يعيث فساداً في بلاد المسلمين وجيوش التتار قابعة على بعد خطوات..
كذلك نرى الخلاف والشقاق يدب بين كل بلاد المسلمين الآن تقريباً.. قلما تجد
قُطرين إسلاميين متجاورين إلا وجدت بينهما صراعاً على حدود أو اختلافاً
على قضية.. انشغل المسلمون بأنفسهم، وتركوا الجيوش المحتلة تعربد في ربوع
العالم الإسلامي، وجعلوا همهم التراشق بالألفاظ والخطب - وأحياناً بالحجارة
والسلاح - مع إخوانهم المسلمين.. ولا شك أن التنازع بين المسلمين قرين
الفشل.. يقول تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
المرض الثالث: الترف والركون إلى الدنيا
لقد
كبرت الدنيا جداً في أعين المسلمين أيام التتار.. وكذلك في أيامنا.. أجيال
كاملة لا تعيش إلا لدنياها وإن كانت الدنيا حقيرة ذليلة.. عاش كل فرد
ليجمع المال ويجمّل ويحسّن في معيشته.. ولينعم بأنواع الطعام والشراب
والدواب والمساكن.. وليستمتع بأنواع الغناء المختلفة وأساليب الموسيقى
المتجددة.. وهكذا غرق المسلمون في دنياهم.. كثير من الشباب يحفظ الأغاني
الماجنة أكثر من القرآن.. كثير من الشباب يعلم بالتفصيل تاريخ حياة
الفنانين والفنانات، ويعلم على وجه اليقين سيرة لاعب في بلادنا أو في بلاد
غيرنا ولا يعلم شيئًا عن تاريخ وسيرة أبطال وعلماء وقواد المسلمين.. بل لا
يعلم شيئًا عن أصحاب الرسول.. بل قد لا يعلم شيئًا عن الرسولنفسه!!
أليس هذا مرضًا يحتاج إلى علاج..
الترف
من أسباب الهلكة الواضحة.. يقول الله تعالى في كتابه: {وَإِذَا أَرَدْنَا
أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ
عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].
لقد
وصل الترف اليوم إلى عموم المسلمين حتى وصل إلى فقرائهم!!.. فالرجل قد لا
يجد قوت يومه ثم هو لا يستغني عن السيجارة!!.. ويكاد لا يجد ما يستر به
نفسه وأولاده ثم هو يجلس بالساعات في المقاهي والكافيتريات، وقد لا يستطيع
أن يعلم أولاده ولكنه حريص كل الحرص على اقتناء فيديو أو طبق فضائي!! ؛
ركون إلى الدنيا وانغماس في شهواتها.. ولا يستقيم لأمة تريد القيام أن تكون
بهذه الهيئة..
المرض الرابع: ترك الجهاد
وكنتيجة
طبيعية للانغماس في الدنيا، والترف الرائد عن الحد ترك المسلمون الجهاد..
ورضوا بالسير في ذيل الأمم.. وقبل المسلمون ما سماه عدوُّهم: "السلام",
بينما هو بوضوح: "استسلام"..
لم
يفقه المسلمون أيام التتار - كما لم يفقه كثير من المسلمين في زماننا الآن
- أن السبيل الأساسي لاستعادة حقوق المسلمين المنهوبة هو الجهاد، وأن
السلام لو صح أن يكون اختياراً في بعض الظروف إلا أنه لا يمكن أن يكون
الخيار المطروح إذا انتُهِبَتْ حقوق المسلمين، أو سُفكت دماؤهم، أو شُرّدوا
في الأرض، أو استُهْزِئ بدينهم وآرائهم ومكانتهم..
لم
يفقه المسلمون أن السلام لا يكون إلا باستعادة كامل الحقوق، ولا يكون وإلا
نحن أعزة، ولا يكون وإلا ونحن نمتلك قوة الردع الكافية للرد على العدو إذا
خالف معاهدة السلام، أما بدون ذلك فالسلام لا يكون سلاماً بل يكون
استسلاماً، وهو ما لا يُقبل في الشرع..
يجب
أن يفقه المسلمون أن كلمة الجهاد ليست عيبًا يجب أن نستحيي منه أو نخفيه..
ليست كلمة قبيحة يجب أن تنزع من مناهج التعليم ومن وسائل الإعلام ومن
صفحات الجرائد والكتب. أبدًا.. إن الجهاد ذروة سنام الإسلام!.. الجهاد أعلى
ما في الإسلام.. شاء ذلك أم أبى أعداء الأمة سواء من خارجها أو من
أبنائها..
كلمة الجهاد بمشتقاتها وردت في كتاب الله أكثر من ثلاثين مرة..كذلك كلمة القتال بمعنى قتال أعداء الأمة وردت.
أين نذهب بهذه الآيات؟
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65].
أين
نذهب بقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا
الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}
[التوبة: 123].
أين نذهب بقول الله تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36].
يا إخواني ويا أخواتي..
أنى لأمة تريد أن تحمي نفسها وتدافع عن عرضها وشرفها أن تترك الجهاد والقتال؟؟!..
في
أي عرف أو قانون أو ملة تُدعى الأمة التي تُحتل في المشرق والمغرب على عدم
الحديث عن الجهاد والقتال والحرب والإعداد..أنا أعتقد أن هذا المرض.. مرض
ترك الجهاد وترك الحديث عنه والإعداد له من أعظم أمراض الأمة.. وليس في
تاريخها أبدًا قيام إلا به.. ولنا في التاريخ عبرة.
المرض الخامس: إهمال الإعداد المادي للحروب
لقد
اجتهد التتار في إعداد كل ما يمكّنُهُم من النصر سواء في ذلك الجنود أو
السلاح أو تجهيز الطرق أو وضع الخطة أو الاهتمام بالأحلاف أو الحرب النفسية
والخطط البديلة..
لقد كان إعداداً متميزاً حقاً..كل ذلك بينما كان المسلمون يعيشون في واد آخر!!..
أُهمِلت
الجيوش الإسلامية وانحدر مستواها، ولم يهتم حاكم بتحديث سلاحه أو تدريب
جنده.. لم توضع الخطة المناسبة، ولم توجد المخابرات الدقيقة.. لقد تهاون
المسلمون جداً في إعدادهم.. ورُتِّبَتْ أولوياتهم بصورة مخزية..
فبينما كانت الملايين تُنفق على القصور وعلى الرخام وعلى الحدائق.. لم
يُنفَق شيء على الإعداد العسكري والعلمي والاقتصادي للبلاد.. وبينما قل
ظهور النماذج المتفوقة في المجالات العلمية والقيادية والإدارية كثر ظهور
المطربين والمطربات، والراقصين والراقصات، واللاعبين واللاعبات، واللاهين
واللاهيات!!
ولابد
أن تُهزَم أمة كان إعدادها بهذه الصورة.. فأمة الإسلام بغير إعداد لا
تقوم.. وليس معنى أن يرتبط الناس بربهم ويعتمدوا عليه أن يُهملوا المقومات
المادية، والتجهيز البشري.. ولابد أن يفقه المسلمون هذا الدرس جيداً..
المرض السادس: افتقار المسلمين إلى القدوة
تربية
القدوة أعلى آلاف المرات من تربية الخطب والمقالات.. الجنود يشعرون
بالغربة الشديدة وبفقدان الحماسة تماماً إذا افتقدوا القدوة..
ألف خطاب للتحميس على الجهاد لا تفعل شيئاً إذا وجد الجنود قائدهم أول المختبئين عند الكوارث!!
ألف خطاب
عن تحمل الظروف الصعبة والرضا بالقليل والزهد في الدنيا وتحمل المصائب
الاقتصادية لا تغني شيئاً إن وجد الشعب زعيمه يتنعم في القصور وينفق
الملايين على راحته وسعادته ورفاهيته وحفلاته الصاخبة..
ألف خطاب
عن الأخلاق الحميدة لا تقدم شيئاً للأمة إن كان الذي يقتدى به لا يُصَلّي
ولا يصوم ولا يتَّسِم بنظافة اليد واللسان، وبطهارة الضمير والوجدان..
كيف يلتزم الشعب بدينه وشرع ربه وقلما يستمع إلى لفظ الجلالة: "الله" من زعيمه أو أستاذه أو مربيه؟!
كيف للشباب أن ينصلح حالهم وهم يرون أن القدوات التي تبرز لهم قدوات منحلة بعيدة كل البعد عن طريق الصلاح؟!
القائد
الذي لا يكون قدوة حية لشعبه في الجهاد والخلق والصبر والزهد والعدل لا
يجب أن يتوقع من شعبه أن يحميه وقت الشدائد ولا يقف معه في زمان المصائب..
وفي التاريخ عبرة !!
المرض السابع: موالاة أعداء الأمة
لقد
سقط الكثير من زعماء المسلمين أيام التتار في مستنقع الموالاة لأعداء
الأمة، وكان منطقهم في ذلك أنهم يجنبون أنفسهم أساساً ثم يجنبون شعوبهم بعد
ذلك ويلات الحروب.. فارتكبوا خطأ شرعياً وعقلياً شنيعاً.. بل ارتكبوا
أخطاءً مركبة.. فتجنب الجهاد مع الحاجة إليه خطأ، وتربية الشعب على الخنوع
لأعدائه خطأ آخر، وموالاة العدو واعتباره صديقاً والثقة في كلامه وفي عهوده
خطأ ثالث..
وربنا I
يقول في كتابه بوضوح: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]. وهذا تحذير خطير من رب
العالمين.. وكم هو أحمق - أو ضعيف الإيمان - من يستمع إلى هذا التحذير ثم
لا يلتفت إليه..
المرض الثامن: الإحباط
الأمة المحبطة من المستحيل أن تنتصر، والإحباط والقنوط واليأس ليست من صفات المؤمنين..{إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
لقد عمل التتار كما عمل الأمريكان - كما عمل أتباع التتار والأمريكان - على خفض الروح المعنوية للشعوب المسلمة إلى أدنى درجة ممكنة..
لقد عظموا كل ما هو تتري أو أمريكي وخفضوا كل ما هو مسلم.. ووسعوا الفجوة
جداً بين إمكانيات العدو وإمكانيات الأمة، وصوروا لهم أنه لا سبيل للنجاة
إلا بالخنوع والخضوع والتسليم..
وقد رأينا التاريخ.. ورأينا مصيبة التتار قد اتبعت بنصر مجيد على يد قطز رحمه الله.. وكان من أهم الأسباب للنصر أنه رحمه الله رفع الروح المعنوية لجيشه، وعلمهم
أن التتار خلق من خلق الله لا يعجزونه، وأن المسلمين إذا ارتبطوا باللهفلا
سبيل لأحد عليهم.. لا التتار ولا اليهود ولا الأمريكان ولا غيرهم.. وأن
الجولة الأخيرة حتمًا ستكون للمسلمين..وبغير هذا الإعداد النفسي وبث روح
الأمل في الأمة فالنصر بعيد ولا شك..
المرض التاسع: توسيد الأمر لغير أهله
لقد
رأينا في قصة سقوط بغداد كيف أن الأمر قد وُسِّد لغير أهله، وضيعت الأمانة
وتولى المناصب العليا في البلد أناس افتقروا إلى الكفاءة وافتقروا إلى
التقوى.. فلا قوة ولا أمانة.. وهذه والله الطامة الكبرى!!
إذا
لم يصل إلى مراكز القيادة إلا أصحاب الوساطة أو القرابة أو الرشوة فهذا
أمر خطير.. بل شديد الخطورة..إذا رأيتم أن القريب يوظف قريبه، وأن المراكز
تباع وتشترى وتهدى، وأن أصحاب الكفاءات لا تقدر كفاءتهم، ولا يُرفع من
قدرهم، فاعلم أن النصر مستحيل..
إذا
كنا نجد أننا الآن في ذيل الأمم كما كان الوضع أيام التتار فلننظر إلى
مراكز القيادة ومن جلس فيها.. ولننظر كيف وصلوا إلى هذه المراكز.. فإنك ولا
شك ستجد الغالب الأعم قد وصل إليها بأسلوب لا يرضى عنه الله..ولا سبيل للنصر إلا بتوسيد الأمر إلى أهله.. وإلا بجعل الأمور في يد الذي جمع بين عمق العلم وصلاح العمل ونقاء الضمير وحسن السيرة.
المرض العاشر: غياب الشورى
الشورى
أصل من أصول الحكم في الإسلام، والذي لا يأخذ بها يضحي بملايين الطاقات في
شعبه ويفترض في نفسه الكمال، ويخالف طريق الأنبياء، ويورث الضغينة في قلوب
أتباعه، ويقع في الخطأ تلو الخطأ، وفوق ذلك كله يخالف أمر الله الذي جاء
بلفظ صريح في كتابه العزيز: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:
159]. وقال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38].
وما نقصده هنا هو الشورى الحقيقة.. لا
الشورى الوهمية التي ليس لها من هَمٍّ إلى جمع الآراء المؤيدة لرأي
الزعيم.. ولا الشورى التي تغلف آراء الديكتاتور بغلاف برّاق جميل اسمه
الديموقراطية.. غلاف ليس له قيمة, ولا يلبث أن يُلقى في سلة المهملات ويبقى
رأي الدكتاتور!! ..
كان
هذا هو المرض العاشر من الأمراض التي أدت إلى انهيار المسلمين تحت أقدام
التتار، فتلك عشرة كاملة، وهي نفس أسباب الهزيمة والهوان في أي عصر من
العصور.. وتذكروا أننا لا نهزم لقوة أعدائنا، ولكن لضعفنا وسوء إعدادنا..
طرق العلاج
إدراك النصر طريق له خطوات واضحة.. لا لبس فيها ولا غموض!!..
النصر
هو أن تعالج هذه الأمراض العشرة التي ذكرناها.. أن تعالجها علاجاً حقيقياً
صادقاً.. لابد أن نعترف بوجود هذه الأدواء, ونسعى جاهدين صادقين لعلاجها،
والرقي بهذه الأمة، وتوظيف كل الطاقات لتمكين هذه الأمة الإسلامية في
الأرض..
النصر ببساطة يكون في هذه الأمور العشرة (التي هي علاج الأمراض السابقة):
1ـ العودة الكاملة غير المشروطة لله ولشرعه الحكيم.
2ـ الوحدة بين المسلمين جميعاً على أساس الدين.
3ـ الإيمان بالجنة والزهد في الدنيا والبعد عن الترف.
4ـ تعظيم الجهاد والحث عليه وتربية النشء والشباب على حب الموت في سبيل الله.
5ـ الاهتمام بالإعداد المادي من سلاح وعلم وخطط واقتصاد وتقنيات وسياسات.
6ـ إظهار القدوات الجليلة وإبراز الرموز الإسلامية الأصيلة وتعظيمها عند المسلمين.
7ـ عدم موالاة أعداء الأمة والفقه الحقيقي للفرق بين العدو والصديق.
8ـ بث روح الأمل في الأمة الإسلامية ورفع الهمة والروح المعنوية.
9ـ توسيد الأمر لأهله.. وأهله هم أصحاب الكفاءة والأمانة.
10ـ الشورى الحقيقية التي تهدف فعلاً إلى الخروج بأفضل الآراء.
المقاومة في العراق
ومع
كل التطابقات السابقة بين السقوطين القديم والحديث إلا أن هناك فارقاً
هاماً جداً بين القصتين، وهذا الفارق يبعث الأمل الكبير في النفوس، وينفي
عنها الإحباط المقيت.. وهذا الفارق هو ببساطة: المقاومة!!..
المقاومة في العراق!!.. لقد شاهدنا مقاومة ضارية من الشعب العراقي بعد
انهيار الجيش، وخاصةً في المثلث السني، وشاهدنا ضحايا من المغتصب الأمريكي،
وشاهدنا فشلاً أمريكياً في اختراق صفوف المقاومة، وشاهدنا تعاطفاً من
العالم الإسلامي مع المجاهدين العراقيين، وشاهدنا قلقاً أمريكياً واضحاً
سواء في القيادة أو في المعارضة أو في الشعب أو في الجنود، حتى وصل إلى
الانتحار في صفوف المقاتلين الأمريكان!!
كل
هذه المشاهدات لم نرها في القصة القديمة، مما يعطي انطباعاً أن وضعنا الآن
أفضل، وأن حالتنا لم تصل إلى الحال المتردية التي كانت عليها الأمة أيام
التتار،
وكل هذا يبعث الأمل في النفوس، ويقوي العزيمة على القيام من جديد، ونصر
الله لهذه الأمة آت لا محالة مهما طال الزمان، ومهما تعقدت الظروف، وإذا
كانت الأمة قد استطاعت الخروج من أزمتها الطاحنة أيام التتار فنحن - إن شاء
الله - على الخروج من أزمتنا أقدر، والله الذي أخرج قطز من بين صفوف
المؤمنين قادر على إخراج أمثاله من بين صفوفنا، "ولتعلمن نبأه بعد حين"!..
فستذكرون ما أقول وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد.
المصدر: قصة الإسلام
أبو عبادة- مشرف
- عدد المساهمات : 212
نقاط : 442
تاريخ التسجيل : 22/03/2011
رد: أمراض الأمة وطرق العلاج / د. راغب السرجاني
جزاكم الله خيرا
على عبد الدايم- عضو فعال
- عدد المساهمات : 44
نقاط : 44
تاريخ التسجيل : 21/03/2011
العمر : 53
مواضيع مماثلة
» نشيد مؤثر و مبكي على واقع الأمة اليوم
» مغزى الحياة..د/راغب السرجانى
» التتار من البداية إلى عين جالوت د.راغب السرجانى
» مغزى الحياة..د/راغب السرجانى
» التتار من البداية إلى عين جالوت د.راغب السرجانى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء أكتوبر 11, 2016 10:19 am من طرف riyadsuper
» mayo clinic internal medicine
الجمعة سبتمبر 09, 2016 7:13 am من طرف دكتور احمد عبد العاطي الخ
» فيديوهات رمد لطلاب الفرقة الرابعة
الأربعاء يناير 27, 2016 7:05 am من طرف محمد عمران
» كتاب رائع فى الاشعة للتحميل المجانى
الإثنين يوليو 20, 2015 6:02 pm من طرف norhan helal
» الف مبروك المنتدى .. وان شاء الله متميز.. وهنا بطاقه تعارف للجميع
الإثنين سبتمبر 16, 2013 4:55 pm من طرف mostafaamin15
» لن تجده الا هنا : نسخة من كتاب قسم التخدير والعناية المركزة للفرقة السادسة
السبت يونيو 08, 2013 8:58 pm من طرف حسن مارد
» استفسار عاجل
الأربعاء يونيو 05, 2013 12:39 pm من طرف على امين
» المشاركه في المنتدا
الثلاثاء مايو 07, 2013 8:11 pm من طرف الاسمر
» استفسار ضروري لو سمحتوا
الإثنين أبريل 22, 2013 5:25 pm من طرف dr haneen